مملكة كِندة الصِّينية في اليمن!
الإثنين, 08 ديسمبر, 2025 - 01:36 مساءً

قبل أيامٍ دُعيت لحضور حفل افتتاح معرض سيارات جيلي الكهربائية الصِّينية كأول معرضٍ لهذه النَّوعية من السَّيارات في اليمن، حيث بدأت الصين في تطوير مُنتجاتها من السَّيارات بطريقةٍ أكثر فخامة ومتانة، لتتفوق على العديد من الماركات العالمية ذات التَّاريخ الكبير في هذا المجال، أضف إلى ذلك، اختيارها لأشكالٍ جديدةٍ وساحرة تجمع ما بين السيدان الصغيرة والهاتشباك، ولأسعارها المعقولة جداً أمام مثيلاتها الأخريات، الأمر الذي جعلها تغزو ليس السُّوق اليمنية فحسب، بل جميع أسواق العالم، حتى أصبحت من المُهددات الحقيقية لعالم السَّيارات الأوروبية والأميركية، وفي عقر دارها.
 
وما لفتني حقيقةً، هو أن هذا المعرض التَّابع لشركة جديدة وناشئة في السُّوق اليمنية اسمها «كِندة موتورز»، وهذا الاسم يحمل دلالةً تاريخيةً تعود إلى أزمنةٍ ماضية، حيث يعود لمملكة كِندة اليمانية الذَّائعة الصَّيت، التي نشأت في جبال حضرموت تحت رعاية مملكة حِمْيَر قبل قرنين من التَّاريخ (200 ق.م)، واتخذت من مدينة «دموُّن – الهَجَرين حالياً» حاضرةً لها، هذه المدينة التي يذكرها آخر ملوك كِندة الشَّاعر الضَّليل امرؤ القيس بن حِجر الكِندي (500 – 540م) في شعره: «تَطَاوَلَ اللَّيلَ عَلَينا دَمُّونْ، دَمُّونُ إنَّا مَعْشَرٌ يَمَانُونْ، وَإنَّنَا لأَهْلِنا مُحِبُّونْ».
 
ومن دَمُّون حضرموت إلى قرية «الفاو» النَّجدية، حيث بدأت هذه المملكة في الظُّهور كقوةٍ سياسيةٍ كبيرة بحلول القرن الرَّابع الميلادي، فانتقلت لتأسيس نفوذها إلى وسط الجزيرة العربية، واتخذت من قرية «الفاو» عاصمةً ومقراً لها، وامتدّ نفوذها على كامل شبه الجزيرة، ومع هذا الأمر فهي لم تكن دولةً مُنظَّمةً كممالك اليمن القديمة (سبأ، حِمْيِر، ومعين) بل كانت أشبه بكونفدراليةٍ لقبائل بدوية/شبه رعوية تُمارس نفوذاً عبر التَّحالفات والقبائل المرتبطة بها، وكان لها دورٌ بارزٌ في تأمين الطُّرق التِّجارية الرَّابطة بين جنوب الجزيرة وشمالها، مما أعطاها أهمّيةً استراتيجيةً، وحقَّق لها عوائد ماليةً كبيرة جعلها تتعرَّض للعديد من الصِّراعات الدَّاخلية والخارجية، سواءً مع القبائل ذاتها في شبه الجزيرة العربية، أو التَّهديدات والتَّمدُّدات الفارسية والبيزنطية، فتفككت لعدة إمارات، كان آخرها دومة الجندل، وقد استمر حُكمها أكثر من (8) قرونٍ كاملة (200 ق.م – 633م)، ومن أشهر ملوكها: حِجر بن عمرو الشَّهير بآكل المُرَّار، وامرؤ القيس.
 
ومن هذا الزَّخم التَّاريخي، انطلقت هذه الشَّركة النَّاشئة لتأسيس علاقات تجارية مع الصين – القطب العظيم في عالم اليوم – وذلك عبر إدخالها لسياراتٍ صينية لتُضيف قصة نجاح آسرة من قصص نجاح مجموعة بَازَرْعَة التِّجارية، بل وامتداد للتَّاريخ العريق لأسرة بَازَرْعَة الكرام، وكلنا نعرف أو بعضنا أن الشَّيخ الرَّاحل أبابكر عُمر بَازَرْعَة - طيب الله ثراه- هو صاحب فكرة انتشار سيارات تويوتا - عملاق وفخر الصِّناعة اليابانية - عالمياً، حيث كانت «عدن» حينذاك هي أول من استقبلت وروَّجت لهذه السَّيارات في خمسينيات القرن الماضي، مما يجعل من حياة الشَّيخ الرَّاحل من أعظم قصص النَّجاح ليس في اليمن لوحده بل في الإقليم. وللتاريخ، فهناك قصصٌ وحكاياتٌ وتفاصيل يمنية مغمورةً ومطمورة، يجب أن نزيل التُّراب عنها، ونعيد استقراءها لتكون خير دليلٍ على عظمة الإنسان اليمني، وعلى صلابته ومِراسِه في مختلف العُصُور والأزمان، وحتماً فهذه القصص ستكون قدوةً ومنهاجاً للأجيال اليمنية القادمة.
 
*نقلا عن جريدة الجريدة الكويتية

التعليقات