خيبة الظن
الإثنين, 08 ديسمبر, 2025 - 01:21 مساءً

الخذلان صفة تتكرر في كل زمان ومكان على المستوى العام والخاص، على مستوى الدول والجماعات والأفراد، فكم من دولة خذلت دولة أخرى، وكم من دولة خذلت جماعة من الناس أو فردا من الأفراد، والخذلان يتنوع وأقل مستوياته الموقف السلبي بحيث لا يقوم من بيده القدرة بنصرة من تعرض للظلم، ويقف منه موقفا سلبيا دون أن يعين خصومه عليه ماديا أو معنويا؛ أما إعانة خصوم المخذول تدخل في دائرة الخصومة، فمن أعان ظالما على ظلمه شاركه في الظلم ولو كانت مشاركته بأدنى مستوياتها.
 
إذًا الخذلان هو المساحة الفاصلة بين النصرة والخصومة وهي مساحة كبيرة من مساحات الحياة، وأعلى درجات الخذلان أن يقف الخاذل موقف المتفرج على المظلوم حتى يهلك أو تسلب حريته أو يسلب أو تضيع حقوقه، وأعظم مواقف الخذلان في العصر الحديث على المستوى الجماعي ما حصل مع القضية الفلسطينية، حيث وقف غالبية الأمة حكومات وجماعات وأفراد موقف المتفرج على ما يحصل للفلسطينيين من الإبادة الجماعية وسلب حقوقهم  كاملة، ومصادرة كل ما يمكن أن يسمى حقا في الحياة الطبيعية التي اتفق عليها كل البشر والمنصوص عليها في المواثيق الدولية العامة والخاصة، وقد وقفت حكومات وجماعات المسلمين موقف المتفرج، ولم يتحرك للمناصرة إلا القليل ،وهذا القليل من الناس لم يصلوا الحد المقبول الذي يحدث تغييرا  في حده الأدنى، وموقف غالبية المسلمين كان أقل من مواقف بعض البلدان الأوربية والافريقية.
 
ومن صور الخذلان ما حصل ويحصل من تغييب حقوق المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسريا على مساحة الأرض شرقا وغربا؛ لمجرد اختلافهم مع من اختطفهم أو أخفاهم في الرأي أو العقيدة، ولم تمر قضاياهم عبر الأطر القانونية والقضائية الطبيعية غير المنحازة، وأمثلتها كثيرة على طول الأرض وعرضها ،وفي المجتمع المسلم ما يحدث للمعارضين السياسيين من السجن والاعتقال بسبب الخلاف في الرأي، ومن صور الخذلان  ما تقوم به الحكومات من خذلان المتخصصين والخبراء وعدم منحهم ما يستحقون من العناية والتكريم، ومن الخذلان إهمال المؤسسات لمنتسبيها وعدم الاهتمام بما يصلح حياتهم الاجتماعية والصحية.
 
وصور الخذلان على المستوى الفردي كثرة منها: خذلان الأبناء للآباء، فثمة بعض الأبناء والبنات يخذلون أباءهم ولا يقومون بمساندتهم ولا يقدمون لهم أي عون مع تمكنهم وتوفر القدرة على النصرة والمساندة، بل وُجد من الأبناء من لا يرى أبويه حتى وفاتهم، والعكس بالعكس خذلان الآباء للأبناء، ومن صور الخذلان، خذلان الأخوة لأخواتهم أو الأخوة لإخوانهم، وأمثلتها كثيرة في المجتمعات الإنسانية عامة، والمجتمعات المسلمة على وجه الخصوص المأمورة بصلة الرحم وصلة القرابة، ونشأ ما أطلق عليه مصطلح التفكك العائلي.
 
ومن صور الخذلان المنتشر في المجتمع الخذلان الاجتماعي البيني بين الأفراد وبعضهم، وهناك تجارب تمر على الفرد من قبل من كان بينهم وبينهم من المودة والتواصل فلما ساءت الأحوال وتفرقت السبل ظهر الخذلان بأبهى صوره، فقائل يقول: كان لي طالب وقفت إلى جواره وشجعته وتوسمت فيه الابداع، وكان كذلك لكن قال سافرت إلى البلد الذي هو فيها وطمعت منه بالتواصل والتقدير، ولكن للأسف حتى رسالة من الجوال لم تأت، وآخر قال: كان بيني وبين صديق علاقة قوية وعيش وملح بطريقة وثيقة جدا، فلما تسنم منصبا وظهر عليه الثراء لم يرد حتى على رسائل الجوال، وثان  يقول: لي صديق أنا قدمته لمن دعمه وزكيته، فلما تمكن لم أجد منه حتى سؤال عن الحال، وثالث يقول كان لي أستاذ أوده ويودني وله من المكانة الاجتماعية والمادية ما له، فلما ساء وضعي ذهبت إليه اشكو حالي لثقتي به، وشعوري بأن سيقف إلى جواري، ولكنه للأسف لم يزد على كلمة الله يعينك، وثمة عشرات بل مئات من صور الخذلان الاجتماعي التي نشاهدها وتمر علينا، ولسنا معنيين بالخذلان مع عدم الامكانية، ففي هذا الحالة سيكون الخاذل والمخذول سوى، إنما نعني الخذلان مع الامكانية.
 
  إنها خيبة الظن وخيبة الأمل. ظننت ظنا فخاب ظني ظننت شيخا طلع مغني.
وسلامتكم. 
 

التعليقات