[ متظاهرون يتبعون الإنتقالي ]
ما يلفت الانتباه في الأسابيع الأخيرة إيقاع التحرك الأمريكي المتصاعد والمتزامن مع ذروة التوتر في شرق اليمن. لقاءات سياسية متتابعة، رسائل اقتصادية ، بلا تسميات مباشرة، جميعها تشير إلى أن واشنطن دخلت على خط الأزمة بوصفها مانع للانفجار.
في اليمن، تكثفت اللقاءات الأمريكية في لحظة حساسة. لقاء القائم بأعمال السفارة الأمريكية مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ثم لقاء وزير الخارجية اليمني مع السفير الأمريكي ستيفن فاجن، لم يكونا بروتوكوليين بقدر ما حملا رسالة سياسية واضحة في وقت تتقدم فيه الوقائع الميدانية على السياسة. هذا الحضور جاء متوازيًا مع إشادة أمريكية علنية بإدارة البنك المركزي واستقلاليته، في رسالة تفيد بأن الاقتصاد جزء من معادلة الأمن، وأن حماية المؤسسات السيادية شرطٌ لازم لمنع الانزلاق.
في قلب هذا المشهد، تبدو حضرموت والمهرة على حافة تصعيد مفتوح، مع عودة عيدروس الزبيدي للتصريح التصعيدي، ووجود وفد سعودي ميداني، ثم وفد سعودي إماراتي وصمت إقليمي لافت. هذا الصمت لم يكن فراغًا، بل انتظار لما ستقرره الرياض، وتحت أي سقف ستُدار خطوط التماس. هنا تحديدًا يحضر الدور الأمريكي. واشنطن لا تبحث اليوم عن تسوية سياسية شاملة في الشرق اليمني، ولا عن حسم عسكري، بل عن منع انتقال الصراع من مستوى قابل للإدارة إلى مواجهة إقليمية يصعب التحكم بمآلاتها.
وتعزز هذا الفهم الأحاديث المتداولة عن وساطة أمريكية غيرمعلنة بين السعودية والإمارات في الملف اليمني، وساطة لا تهدف إلى توحيد الرؤى بالكامل، بل إلى خفض سقف التباين ومنع ترجمته ميدانيًا، خصوصًا في مناطق حساسة مثل حضرموت والمهرة. فاليمن، في الحسابات الأمريكية الراهنة، لم يعد ساحة تنافس مفتوحة بين الحلفاء، بل ملفًا ينبغي إبقاؤه تحت السيطرة، خشية أن يتقاطع خلاف الحلفاء مع ملفات أخطر تتعلق بأمن البحر الأحمر وخطوط الطاقة.
وهنا يتقاطع اليمن مع السودان. اتصال وزير الخارجية السعودي بنظيره الأمريكي حول اليمن والسودان في آن واحد لم يكن صدفة. فمن منظور واشنطن، الساحتان متشابهتان: تدخلات خارجية، تدفق سلاح، وحروب بالوكالة تهدد بتوسيع دائرة عدم الاستقرار على ضفتي البحر الأحمر.
التحذيرات الإريترية من خطورة تسليح مليشيا الدعم السريع، ومن تغذية الصراع بالمرتزقة، تعكس المخاوف ذاتها التي تحاول الولايات المتحدة تجنب تكرارها أو تمددها في اليمن،وشرقه تحديدا.
بهذا المعنى، فإن إدارة التهدئة في حضرموت ليست ملفًا يمنيًا محضًا، بل جزء من مقاربة أمريكية أوسع لمنع تشابك الأزمات الإقليمية: من اليمن إلى السودان، مرورًا بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي. دعم المؤسسات، إبقاء الخلافات بين الحلفاء دون سقف الانفجار، والعمل في الظل لإدارة لحظة شديدة الهشاشة.
الخلاصة أن المنطقة تعيش توازنًا مؤقتًا لاختبار الإرادات الإقليمية والدولية؛ إما إدارة الخلاف بحسابات دقيقة، أو كسر هذه التفاهمات والدخول في انفجار مؤجل قد لا يقتصر على اليمن وحده، بل يمتد أثره من البحر الأحمر إلى السودان.
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك